Section-4, والت ويتمان، أغنية نفسي

توطئة

مقدمة المقطع الرابع:

"القائلين" و "المناقشين" اصبحوا الان "الجوابون" و "السائلون" ، اولئك الاشخاص اصحاب النوايا الحسنة الذين يشغلون ايامنا بالتحدث عن كل الامور التي نخدع انفسنا لتصديقها، هؤلاء في الحقيقة يشكلوننا—يشكلون طفولتنا و بيئتنا المحلية و ملابسنا و اخر اخبار حروبنا وامراضنا و حتى سوق الاسهم عندنا. كل هذه الاشياء بطريقة او بأخرى تجعلنا ما نحن عليه ومع ذلك فان هناك شيء فينا يذهب الى ما هو اعمق من ذلك.

يشارك هنا والت ويتمان الرأي مع هنري ديفيد ثورو في ان الحياة تنقضي بالتفاهات، تنقضي في ما ندعوه نحن بالأخبار. "عندما تتوقف حياتنا من ان تكون متوجهة الى دواخلنا و خصوصيتنا، فأن الحديث يصبح مجرد نميمة" كم اكد ثورو في مقالته "الحياة دون مبدأ". و يكمل قائلا: "من النادر ان نقابل شخصا يمكن له ان يعطينا اخبارا لم يقرأها في الصحف او اخبرها له احد جيرانه؛ و على الاغلب الفرق الوحيد بيننا وبين هذا الشخص هو انه قد رأى الصحيفة او انه خرج لتناول الشاي، بينما نحن لم نفعل ذلك. و عندما تنهار حياتنا الداخلية شيئا فشيئا، فأننا نواظب اكثر على الذهاب الى مكتب البريد. من الامور التي يمكن ان تسلم بها كحقيقة هي انه ذلك الشخص المسكين الذي يغادر المكتب ومعه اكبر عدد من الرسائل، فخورا بكل تلك العلاقات التي يمتلكها، هو في الواقع لم يسمع من ذاته الداخلية منذ زمن بعيد". في هذا المقطع ويتمان يؤكد على رغبته لان يعرف اكثر عن نفسه و يدخل الى "حياته الداخلية" التي يدعوها "انا نفسي".

دائما نحاط بأناس يريدون شدنا و جذبنا الى معتقداتهم الخاصة. يخبرنا الشاعر هنا بأنه هو ايضا قد ضيع سنوات وهو يحاول اختراق كل "ضباب" كل تلك المناقشات "للغويين و المتجادلين"—اولئك الذين يستخدمون اللغة من اجل تعقيد الحياة و تحويل انتباهنا من خلال جعلنا ننشغل بتلك الترهات التي تشغل حياة معظم الناس. والان بالرغم من ان اننا مدعوون من قبل الشاعر للاتصال بذلك الجزء العميق من انفسنا و الذي يقف "بعيدا" من تلك القوى التي لطالما حاولت تشتيننا من انفسنا التي هي الاهم بالنسبة لنا.

و يقدم لنا ويتمان بالكلمات صورة تشبه الى حد كبير صورة الشاعر المرسومة على غلاف الطبعة الاولى لكتابه "اوراق العشب"، حيث يظهر لنا الشاعر وهو يرتدي ملابس العمال و قبعته على رأسه و ينظر للقارئ بنظرة ثاقبة—"يقف بعيدا، دهشا، رضيا، متدفقا، عاطلا، متوحدا" وهو الذي ينظر "مطاطئا، منتصبا، او مستندا الى الذراع ... ناظرا برأس مائل يتطلع الى الاتي". و يقول ويتمان بان الذكاء في ان تكتشف كيف تكون داخل اللعبة، و خارجها معا ارقبها و ادهش لها". و على عكس ثورو الذي سعى وراء ذات اعمق من خلال اخذ نفسه بعيدا عن الاخرين، منسحبا نحو البرية، فأن ويتمان يسعى الى ذاته العميقة من خلال ملاحظة و مراقبة محيطه المدني و تعلم كيف يمكن له ان يستوعبه كله بينما في الوقت نفسه يقف بعيدا عنه فيتعلم كيف "يشهد و ينتظر" من اجل ان يعطي نفسه الوقت ما يستحق المشاهدة. فهو سوف يسعى وراء ذاته ليس من خلال الطبيعة فقط لكن ايضا في الجماهير الذين يصادفهم كل يوم و الذي يتحدونه ليوسع افاق بصيرته يوميا.

—EF

 

< div class=”lg”>

الجوابون والسائلون الذين يحيطون بي
والناس الذين ألقى
وميسم حياتي الأول
والحي، والمدينة، اللذان أعيش فيهما
أو الأمّة
والمواعيد الأخيرة، والمكتشفات والخترعات والمجتمعات
والمؤلفون: الجدد والقدامى
وطعامي وملابسي ومعارفي ونظراتي وتحياتي وفعالي
التجاهل الحقيقي أوالمزيف لرجل ما أو امرأة أحبها
مرضُ قريبٍ لي، أو مرضي أنا
أو العمل الردئ
أو خسارة المال، والحاجة اليه
أو الخذلان أو الازدهاء
المعارك، وفظائع حرب الأشقاء
وحمّى الأنباء الغامضة، والأحداث القاسية -
هذه كلها، تأتيني أياماً وليالي، وتغادرني
لكنها ايست أنا نفسي.
بعيداً عن الشد والجذب يقف ماهو أنا
يقف: دهِشاً، رضياً، متدفقاً، عاطلاً، متوحداً
مطأطئاً، منتصباً، أو مستنداً إلى الذراع في استراحة ما
ناظراً برأس مائل يتطلع الى الآتي
داخل اللعبة، وخارجها معاً
أرقبها وأدهش لها
وأعود الى الماضي، فأرى حياتي
أنام كنت أعْرقُ في الضباب
مع اللغويين والمتجادلين.
لست ذا حيل وحجج...
انني أشهد وأنتظر.
 
 
المتنزهون والمتسائلون يحيطون بي،
أناسٌ ألتقي بهم، تأثيرُ حياتي الأولى عليّ،
الحي أو المدينة التي أعيش فيها، أو الأمّة،
آخر التواريخ، الاكتشافات، الاختراعات،
المجتمعات، والكتّاب، قديماً وحديثاً،
عشائي، ثيابي، أصحابي، نظراتي، كلمات الإطراء، واجباتي،
عدمُ الاكتراث، الحقيقي أو المتخيّل، لامرأةٍ أو رجلٍ أحبّ،
مرضُ أحدٍ من أهلي أو مرضي أنا،
أو تصرفٌ منحوس أو خسارة،
أو قلة المال، أو الاكتئاب أو الغبطة،
معارك، ورعبُ الحروب الأخوية،
وحمّى الأنباء المريبة، والأحداث المتقطّعة؛
هذه تأتي إليّ ليلَ نهار، وتتركني مرةً أخرى،
لكنها ليست ذاتي نفسها.
 
بعيداً عن الشدّ والسّحب، يقفُ هذا الذي أنا،
يقفُ مفتوناً، راضياً، متعاطفاً، عاطلاً، منسجماً،
ينظرُ إلى الأسفل، مشدودَ القامة، أو يحني ذراعاً
فوق راحةٍ ما غير ملموسة،
ناظراً، برأسٍ مائلة قليلاً، يترقّب بفضول ما سيحدث لاحقاً،
داخل وخارج اللعبة في آن، مراقباً ومتعجباً لها.
مسترجعاً الماضي، أرى أيامي نفسها،
كيف تصببتُ عرقاً في الضباب مع اللغويين والمنافسين،
أنا لا أتهكّم أو أجادلُ،
أنا أراقبُ وأنتظرُ فحسب.

خاتمة

يبتدأ الشاعر و الناقد الامريكي شارلز كينيث وليامز كتابه الطويل حول والت ويتمان بتساؤله "من اين يأتي الرجل بموسيقاه؟" و هو التساؤل الذي دار في اذهان اجيال من القراء و الكتاب. كيف لرجل صحف، و في بعض الاحيان نجارا اعتياديا ان يصبح الشاعر الاساسي للهوية الامريكية؟ و يعتقد وليامز بأننا "لن نعرف مطلقا متى بدأ و سمع و عرف بذلك الاندفاع لصوت اللغة و صوت الشعر و ذلك الايقاع و الانسيابية لتكون وسيلته و عربته—مجرد محاولة تخيله وهو يحاول متعمدا تشكيل هذه الموسيقى هو من الامور العظيمة و التي لا تقل دهشة عن حاله وهو يكتشف هذه الموسيقى عنه". و لكنه بالفعل اكتشفها. و في المقطع الرابع من قصيدته والت ويتمان يكشف لنا انه خلال فترة تدربه على الكتابة كان يعرق "في الضباب مع اللغويين و المتجادلين" متلهفا كأي شاعر مبتدئ لان يجد صوته الخاص. ما تعلمه هو ان يراقب و ينتظر ويبقي جزء من خياله حرا بعيدا عن "حمى الانباء الغامضة" ويراقب محيطه بعين ثاقبة ويستمع لتفاعل الرجال والنساء من كل اشكال الحياة من اجل ان يعبر عنهم في شعره بكل الاحترام الذي يستحقونه.

شكلا اخر لاكتشافه الذي نوه عنه في المقطع السابق—انا اقف الان مع هذا السر—يستهل المقطع التالي: "بعيدا عن الشد و الجذب يقف ما هو ان". و لاحظ انه لا يقول "من هو انا" بل "ما هو انا"—الذات التي تتشكل بيتا بعد بيت، و التي تبقى بعيدة بعض الشيء عن الجمهور تراقب و تندهش. وهنا هو الشاعر المعبر عن تجربة الامة في الديمقراطية و الذي سوف لن يسمي نفسه حتى يصل الى المقطع الرابع و العشرين و عندها لن يكون لنا اكثر من: "والت ويتمان، الامريكي احد العموم و الكون كله.:

—CM

 

سؤال

هل تستطيع ان تتذكر متى شعرت بانك "داخل اللعبة و خارجها" في الوقت نفسه مشاركا و مشاهدا؟ ماهي فوائد و عيوب مثل هذا الموقف المزدوج؟ اضف جوابك عبر صفحة االفيسبوك او اكتب تعليقك في الصندوق ادناه.

Languages and Sections