وتستمر الان قصة القتال البحري في الايام الغابرة لكنها تصبح اكثر ظلمة. الان الوقت ليلا و السفينة تغرق؛ و اشلاء الاجساد في كل مكان مثل لون الدماء—"ومزق من اللحم على الصواري و الاعمدة". اذا كان المقطع السابق يبدو انه يحتفل بشجاعة القبطان و انتصاره، فأن هذا المقطع يؤكد على نتائج المعركة الدموية. فهناك جسد طفل عمل في السفينة و جسد بحار كبير السن. في النهاية، و في خضم "الانفاس الرقيقة من نسيم البحر" هناك العديد من الاصوات التي لا تبشر بخير مثل "هسيس مبضع الجراح، و اسنان منشاره الماضية في اللحم" حيث تحصل عمليات بتر الاعضاء. بعد سنوات قليلة من نشر "اغنية نفسي" ، ستكون الحرب الاهلية هي حرب بتر جديدة حيث يعود عشرات الاف من الجنود الى منازلهم وهم قد فقدوا ذراعا او رجلا و سيفكر ويتمان كيف ان الحرب قبل كل شيء هي هجوم ضد الجسد الحي. حتى اولئك الذين نجوا حصل لهم ذلك بدون وسيلة للتحرك بشكل حر في العالم او بدون الوسيلة للأبداع و الكتابة و الرسم و صنع الاشياء. فالبتر يقطع الوسيلة التي من خلالها تصل الروح الى العالم من خلال اقتلاع وسيلة الجسد لتحريك الروح و التعبير عنها. ينتهي هذا المقطع بالنظر على اندفاق الدم المنهمر و الاستماع الى الصرخات و الانين حيث عمليات البتر في الحرب الثورية تمهد لتلك العمليات المشابهة في الحرب الاهلية. البيت الاخير الذي يقدمه ويتمان في هذا المقطع، "ها هو ذا، ما لا يستعاد" يعبر عن الرعب و الخسارة في الحرب: عندما يدمر الجسد لا يمكن اعادة الحصول عليه مرة اخرى. كما لو ان الشاعر يبدأ بوصف اهمية و حيوية ما قد تم خسارته—ها هو ذا (جميل جدا؟ شجاع جدا؟ قوي جدا؟--لكنه يتوقف في لحظة ادراك عبثية اعادة تشكيل الصورة حتى لو بالكلمات ما قد تم فقدانه للابد: "ما لا يستعاد". ان "اكداس الاجساد" الان هي بلا حياة بلا ارواح يمكن ان تعطي الحياة للجسد و تجعله يعيش العالم من حوله. الارجل و الاذرع المبتورة لا يمكن استعادتها ايضا تاركة اجساد معاقة ترمز لمن يراها عن التشتت و الخسارة. يتحرك المحيط الواسع من حولنا بهذا المنظر البشع للموت و التشويه ويقدم "ضربات خفيفة من نعومة الامواج"—كما لو الناجين مندهشين من كثرة الموت حولهم و يدركون بأنهم لا يزالون يشعرون بالمحيط من حولهم و لا يزالون قادرين على الاحساس "بالأنفاس الرقيقة" للبحر و التي تختلط الان مع "الرائحة النفاذة" للسلاح. يصور هنا ويتمان مشهد لا ينسى للألم و العذاب ضد مشهد المحيط الذي ينتظر وليمة الموت هذه وهو يتقبل الاجساد و الاعضاء التي سوف تلقى هناك. المحيط سوف يعيد تدويرها لتصبح حياة اخرى لكن ليس بالضرورة الى اشكال حياة انسانية تشبه تلك التي فقدت في المعركة: فتلك الاجساد الكاملة لا يمكن استعادتها و لا يمكنها ان تعيش مرة اخرى ما ظنت انها ماتت من اجله.
—EF
هناك جملة مجزئة امتدت على مدى ستة عشر بيت تتوزع فيها اشباه الجمل التي تجيء و تذهب مع حركة المد و الجزر في خيال الشاعر، لتجمع الصور الشعرية عن الضحايا من المعركة البحرية التي تحدث عنها في المقطع السابق ليستفز كل الاحاسيس التي ستعطي صورة عن نتائج هذه المعركة ( السفينة الغارقة و اللهيب و الاصوات و الروائح المختلطة لأعشاب البردي و الهواء المالح و بارود الاسلحة) ووصف الخسارات—الطفل، الملح القديم، "اكداس لا شكل لها من الأجساد و اجساد منفردة و مزق من اللحم على الصواري و الاعمدة"—في استعراض وصفي يزداد ظلمة كلمة تلو الاخرى—اندفاق الدم المنهمر و الصرخة الوحشية القصيرة—قبل ان يختم بأربع كلمات: "ها هو ذا، ما لا يستعاد". ويتمان احب البحر، اكبر ساحة حرب على الاطلاق حيث تتسابق قوى الحياة و الموت في عدد لا ينتهي من المواجهات المخفية و هنا على "منتصف الليل" على ظهر السفينة المنتصرة، يعترف بحدود اغنيته التي لا تستطيع انقاذ الموتى او شفاء الجرحى. يضيف بيتا واحدا للنسخة الاصلية—بضع نجوم قليلة فوق رؤوسنا صامتة في لمعان الحداد"—ليوحي بالامتداد الكوني لمهمته؛ و ايضا عدم كفاية أي رد فعل انساني تجاه مصائب الحرب، من بينها تنبأه بما سيكون هجوم مسلحي جنوب كارولينا ضد حصن سومتر وانفصال الكونفدرالية من الاتحاد. لا يختتم الشاعر هذا المقطع بفعل يمكن ان يحول شبه الجملة الى جملة لكن ينهيه بعبارتين يبدوان على انهما بدايتان لجملة لن تكتمل و تترك القراء في حالة من الترقب و اليأس امام منظر الحرب. هوميروس عرف بأن الانسان موجود تحت رحمة الهة مزاجية. من يمكن القول بأن الحال ليست كذلك؟
—CM
كلما كبرنا في السن كلما شعرنا بأن هناك العديد من الاحداث و الاحاسيس و اشخاص في ماضينا التي لا يمكن استعادتها و التي تبدو لنا الان انها بعيدة جدا. في هذا المقطع يقدم لنا ويتمان بيتا مؤثرا جدا حول عدم امكانية استعادة الاشياء، لكن يبقى السؤال كيف يمكن لشعره ان يستعيد ما لا يمكن اعادته و التعبير بالكلمات ما فقدته حواسنا؟ ما هو الشيء في ماضيك الذي لا يمكنك اعادته فعلا؟