المنازل والحجرات متضوعة بالعطور
في هذا المقطع كسر والت ويتمان الكثير من القيود، سواء كانت قيود جسدية او ذهنية. كتب ويتمان في مذكراته بيتا يقول "الادب مليء بالعطور العبقة" وهذا اعتراف منه بأن الكتب و الفلسفات العالمية و الاديان جميعها تقدم نظرة جديدة عن العالم. جميعها تثير النشوى—فاتنة و تجذب العقل لكنها في الوقت نفسه مليئة بالسموم ايضا. نحن جميعا نميل لان نرى العالم بعيون من سبقنا فيه، لكن والت ويتما يحثنا لان نترك هذه التقاليد و نطلق العنان لحواسنا و نتنفس ذلك التغيير بحد ذاته. و في هذا التنفس نستشف الهامنا، نتنفس العالم حرفيا. في هذا المقطع يسجل ويتمان الجانب الجسدي للغناء و القاء قصيدة: فالشاعر يذكرنا هنا بأن القصيدة لا تأتي من العقل و لا حتى من الروح بل أنها تأتي من الجسد. الالهام الشعري يأتي من التنفس ، و القصيدة هي "دخان انفاسي"، تنفس ذرات الهواء و اطلاقها مرة اخرى للعالم على شكل اغنية. و يشير ويتمان هنا بأن القصائد تكتب بواسطة الرئتين و القلب و الايادي و جميع الاعضاء الجسدية—بواسطة الاوكسجين الذي يمتصه دمنا في الرئتين و يضخه القلب الى الدماغ و كل انحاء الجسد. نحن نكتب (كما نقرأ تماما) بأجسادنا بقدر ما نكتب بعقولنا.
فالشاعر في هذا المقطع يسمح للعالم لان يتصل به عاريا ليتوحد مع ما انفصل عنه—فالجذور و الاوردة جميعها تبدو الان جزءا من نفس التدفق الحسي في جسده العاري (حب جوهر و خيط حرير)، و هو يدرك تماما هذا الاتصال والتماس الحاصل و هو يطلق العالم في شهيقه و زفيره كالقصيدة المتحركة. جميع الحواس نجدها مثارة هنا—الشم (رائحة الاوراق الخضراء)، السمع (ضجة كلمات صوتي المندفعة) اللمس (قليل من القبلات الخفيفة) البصر (لعبة الضوء و الظل) التذوق (دخان انفاسي حيث ان كلمة "دخان هنا" هي اشارة على النار التي اتقدت لتوها في داخله).
ثم يسخر ويتمان من اولئك الذين يعتقدون انهم سيطروا على فنون القراءة و التأويل. فعندما نقرأ هذه القصيدة، يتساءل ويتمان "هل احسست بالزهو لأدراكك معنى القصائد؟" و عندها يدعونا لقضاء "النهار و الليل" معه ونحن نقرأ "اغنية نفسي" القصيدة التي لا تخفي معانيها و لا تتطلب معرفة بالأسلوبية لفهمها. بدلا من ذلك، يقدم الشاعر لنا قصيدته التي تنبثق من الطبيعة النقية و الكلمات فيها "مندفعة" بدلا من ان تكون منحوتة او مشكلة. فالشاعر يقترح ان لا تكون هذه القصيدة مرشدا او تفرض عقيدة معينة لكن وسيلة لان تختبر العالم بعينيك انت لا عين من سبقك. و هنا نأخذ كلمات الشاعر ومن ثم "نستخلصها" من انفسنا كما نفعل بالهواء و بالذرات العائمة التي تشكل العالم.
—EF
المنازل والحجرات متضوعة بالعطور
المنازل والحجرات متضوعة بالعطور
—CM
التعليق النقدي:
ما معنى "لن تتناول الاشياء التي تداولتها الايدي" او "لن تنظر عبر عيون الموتى" او "تتغذى اشباح الكتب"؟ السنا جميعا نتعرف على العالم و نطور افكارنا و نتعلم من الاخرين، الاحياء و الاموات؟
اضف جوابك عبر صفحة االفيسبوك او اكتب تعليقك في الصندوق ادناه.