مقدمة المقطع العاشر
بعد ان اخذنا المقطع الثامن في رحلة غير مترابطة في حياة المدينة--حيث صور لنا الحافلات الكبيرة و العربات الثلجية و عربات الاسعاف و عربات الحمل--و المقطع التاسع اخذنا في رحلة هادئة على عربة القش في الريف، فأن المقطع العاشر يأخذنا في سلسلة من الرحلات الخيالية الى الغرب البري و البحر و في النهاية يتوقف عند القطارات التحتية التي كانت الوسيلة التي تمكن من خلالها العبيد الهاربين على ضمان حريتهم. الانا التي تغنى بها الشاعر منذ بداية القصيدة اخذت الان تتحرك بعيدا عن الخبرات الفعلية التي عاشها والت ويتمان، حيث انه عندما كتب قصيدة "اغنية نفسي" لم يكن قد ذهب للصيد في "البراري و الجبال"، ولم يكن قد عاش على ظهر "سفينة اليانكي" او رأى "زواج بهلوان...في الغرب البعيد" من امرأة من الهنود الحمر، ولم يخبئ في بيته عبدا هاربا. لكن اراد ويتمان من الانا الشعرية لان تستشعر بحجم وسعة القارة فلذلك اخذ يستخدم قصصا سمعها ورسومات كان قد شاهدها سابقا (مثلا لوحة الفرد جاكوب ميلر "زوجة البهلوان") و ذلك لإغناء خزين خبراته الحياتية. والتوسع في الخيال لا يقل واقعية في المخيلة من الخبرات الفعلية حقا: فالتخيل هو في الحقيقة احد الطرق للسماح لأنفسنا بالانطلاق بعيدا عن القوانين و السلوكيات المفروضة و يمنحنا ويتمان هنا الوسيلة لننضم اليه في توسيع مجال خبراتنا و اغناء مفاهيمنا العقائدية. عندما يصف لنا ما يشاهده من المركب المبحرة (السفينة) في الضباب المتقدم مع الرياح ، يقول ويتمان "عيناي تعينان الارض" و بمعنى اخر تحتلان القارة من المدينة الى الريف من الشرق الى الغرب من الجنوب من اجل وضع البلاد ضمن نظام ديمقراطي من خلال توسيع حدودها.
وهكذا يبتدأ ويتمان هذا المقطع بتسجيل الحدود الاجتماعية و الثقافية المتداخلة في الولايات المتحدة. الباحثون الاجتماعيون مثل الفرنسي الكيسز دي توكفيل يكتب في منتصف القرن الثامن عشر بأنه هناك "ثلاثة اعراق في امريكا"--البيض و الحمر و السود--ولدى كل فئة منها ثقافتها الخاصة التي ابقتها منفصلة عن بعضها. لكن ما يقدمه ويتمان هنا هو مشهدين للاختلاط العرقي حيث يتزوج البهلوان الابيض من المرأة الهندية و بعدها ترحب الانا الشعرية بعبد هارب في بيته و يقدم له الملابس و ينظفه و "اجلسته الى جانبي على المائدة" مبقيا سلاحه الى جانبه لحماية العبد من ملاحقيه. اللهجة الحميمية في كلا المشهدين تؤكد على الطبيعة الجسدية لهذا التلاحم و التلامس مختلط الاعراق الذي يتجاوز المجاملات المعتادة لاحترام الاعراق المختلفة. نستطيع ان نشعر بهذه المشاهد و خاصيتها في العمل على تخطي الحدود الاجتماعية حيث يستمر ويتمان بالتأكيد على الحاجة الى استيعاب التنوع العرقي و التغلب على التعصب العنصر التي يمكن ان نكون قد علمناها من اجل الاعتراف بالهويات التي نشترك بها جميعنا: "كل ذرة في تنتمي اليكم". وكما هو الحال مع الابواب المفتوحة للحظيرة من اجل قبول حصاد الخريف لأوراق العشب، الان "نصف الباب المفتوح في المطبخ" للراوي تنفتح لتكشف ن داخل المطبخ تجاه العبد الهارب حيث يكتشف الرجلان لحصاد الغني للتحيز و التعصب الغالب وحتى عندما يكون السلاح في الزاوية يخدم كمذكر على ان مثل هذه الروابط العرقية دائما تحفها الخطورة.
—EF
التعليق الختامي يتقدم مبدأ الاختراع في هذا المقطع ، حيث يقدم الشاعر سلسلة من القصص الخيالية من اجل ان يقول الحقيقة الصعبة--بأن هذا الاحتفال بالانا يتضمن الجميع بغض النظر عن العرق و الهوية و المكانة في المجتمع. قال الروائي رون كارلسون بأنه دائما يكتب من خبراته الشخصية، سواء فعلا عاشها ام لا و هذه الطريقة في خلق الخيال تقود ويتمان في تخيله لحفلة الصيد و الرحلة البحرية و عملية الحفر الهادئة و زواج البهلوان من الفتاة الهندية و ذلك المشهد المؤثر مع العبد الهارب. هذه القصص القصيرة لا تقل تأثيرا عن ما تقدمه حواسه لأنه اختار ان يؤكد على تفاصيل من واقع الحياة اليومية-- "تقطع البرق وما تسفوه الرياح "بالنسبة لسفينة اليانكي وهي تبحر، نهاية السروال داخل جزمته، و الخصل النظيفة للفتاة الهندية و "الثياب الخشنة النظيفة" للعبد العارب. كلما كان الاختراع مبهرا فبالتأكيد قد استند على تفاصيل طبيعية من السهل تصديقها. ايميلي ديكنسون قالت في احد قصائدها "اقل كل الحقيقة لكن قلها منحرفة". يكمن النجاح في الدوائر التي تعيد نفسها. ان الاختراع الشعري هو شكل دائري لقول الحقيقة يوظفه والت ويتمان في لحظات حرجة من القصيدة ،غالبا ما يكون ذلك من اجل توسيع النفس الديمقراطية لتشمل البعد السياسي. ويمكن للشاعر ان يتحدث بصراحة اكثر من وراء القناع. ( ليس بالصدفة انه من بين الشخصيات الدرامية التي اختلقها الشاعر البرتغالي فيرناندو بيسو كان هناك شخصية شبه والت ويتمان تدعى البرتو كيارو يعمل كراعي "صوفيا فقط في جسده"، و الذي تغنى بالطبيعة بمليء صوته مثل الشاعر الامريكي) . في القصائد و الصور الشعرية للشخصيات الحقيقة و التخيلية نكتشف ما سمته ديكنسون "مفاجئة الحقيقة المذهلة". لكن يحدق بنا الخطر عندما يقوم الشاعر بالاكتشاف او الاختراع. من غير المستغرب ان يبقي ويتمان بندقيته قربه فدائما هناك شخصا قريبا من الباب ربما يريد الدخول.
—CM
سؤال
يعطينا والت ويتمان في هذا المقطع عدة ابيات عن بحثه عن السمك القشري ثم يتشارك به مع مجموعة من الرجال. ما هو تأثير اثارة القارئ من قبل الشاعر في نهاية هذا المشهد القصير حينما يقول "اه لو كنت معنا ، ذلك اليوم \ حول البراد الذي يغلي"؟