الملحن الامريكي جارلز ايفي وضع ابيات الافتتاحية لهذا المقطع في مقطوعه موسيقية. لقد اعجب آيفي بالطريقة التي يطرحها ويتمان تلك الاسئلة الاساسية—"ما انا؟ وما انت؟" ثم تصبح هذه الاسئلة اكثر تعقيدا من خلال طرح اسئلة اخرى: "كيف استخلص القوة من اللحم الذي اكل؟" كيف نقوم بتشكيل انفسنا الى هذا الجسد "متلهفا، ضخما، غامضا، عاريا؟" الذي نسكنه و نحصل على هويتنا منه؟ من أين يأتي هذا الجسد الذي لا يبدو انه يتميز عن الروح؟ و بالطبع فأن الجواب هو ان ذلك الجسد—مثل كل الاشياء التي تحيا—يعيش عملية تغيير و تبادل مستمرة. اوراق العشب تنمو من التربة، و التي هي لا شيء سوى ذرات بقايا الموت. الابقار تأكل العشب، و يصبح العشب هو البقرة. نحن نأكل البقرة و بعدها تصبح البقرة نحن. نحن نموت و نعود الى التراب لنصبح في النهاية التربة التي تصبح في النهاية العشب و تستمر العملية دون نهاية. انها رقصة الحياة و الموت في البيئة. نحن بالفعل اوراق العشب. نحن جميعا بالفعل ما ناكل و نتنفس و نلمس و نسمع و نرى. حواسنا المفتوحة كليا على العالم تعيش تدفقا لا ينتهي من المثيرات الحسية: ل تنتهي تلك الاشياء التي نستوعبها الى جسدنا—"اشياء الكون" دائما تتقارب نحونا في نهر دائم من المؤثرات، كما لو ان الاشجار و النجوم و البنايات و الناس و الانهار و الحيوانات الذين نواجهم هم موجودين هناك فقط من اجلنا. نفتح عيوننا و هناك نرى المناظر المختلفة؛ نفتح اذاننا و نسمع الاصوات و نمد ايدينا و نجد مختلف الاشياء التي نريد لمسها. كل شيء نواجه في الحياة "مكتوب" لنا وحدنا و نظل نتسأل "ما هو معنى الكتابة" (بالضبط كما نقرأ القصيدة، فهي الشيء الذي نراه و نسمعه و نتسأل ما معنى هذه الكتابة).
اذا ليس هناك من داعٍ للتذمر او العويل (واتباع ارادة الاخرين)، ليس هناك من سبب للصلاة و الانحناء لأننا جميعنا موجودين كما نحن، و هذا "يكفي". اجسادنا جليلة ونحتاج ان نحترمها تدهشنا بما تستطيع ان تفعل. سوف يكون جسدنا هذا بخير: فهو يستوعب العالم و يجعلنا نرى بأن الجميع مثلنا تماما—ارواح و اجساد تحتضن العالم. ليس هناك من داع للطمع بما عند الاخرين، فنحن جميعا لا نموت (حيث اننا سوف نموت و نولد في العشب مرة اخرى) ومن غير الممكن قياسنا و تحجيمنا. ويتمان يخبرنا لان نكون قانعين بالجسد الذي لدينا: فقد هناك الملايين قبلنا و سيكون الملايين بعدنا.
بعد وفاة ويتمان، قام بعض أصدقاءه و اتباعه في كندا قاموا بتسمية مجموعة صخور بحرية لتكريمه. فسموها "اولد ويتمان" و فيه حجر منقوش عليها اخر ثلاثة ابيات من هذا المقطع من القصيدة بحروف كبيرة "اني مثبت قدمي من الغرانيت\ و انا اسخر من مما تسمونه انحلالا\ و اعرف سعة الزمن. "
—EF
كتب الكاتب و المفكر الامريكي في كتابه والدن "علي ان لا اتحدث عن نفسي كثيرا اذا كان هناك شخص اخر اعرفه حق المعرفة"؛ تزامن نشر كتابه مع الطبعة الاولى لأوراق العشب. و يكمل ثورو قائلا: "للآسف انا محدود بهذا الموضوع لأني لا املك الخبرة في شيء اخر. و بالفعل كانت خبراته محدودة--يقول ساخرا في مذكراته اليومية التي كتبها في الغابات خارج بوسطن "سافرت الى الكونكورد"--و هنا يختلف توجهه نحو العالم عن نظرة ويتمان التوسعية و رغبته باستيعاب كل الخليقة. لكن السؤال هو: هل فعلا يختلف الكاتبان كثيرا؟ كل واحد فيهم سعى و راء معنى شامل للكون كله من خلال اتخاذ الذات وسيلة، ثورو من خلال تسليط الضوء على الطبيعة، اما ويتمان فأنه يتخيل حياة بعيدة جدا عن مكانه: "في جميع الناس ارى نفسي" كما يقول في هذا المقطع، "لا ازيد عليهم بحبة شعير و لا انقص/ و ما اقوله في نفسي--ان خيرا او شرا--اقوله فيهم". ما يتشاركون به هو الفضول الذي يرافقه موهبة المراقبة الدقيقة، وهذا ما جعلهما يستوعبان الحقائق الخالدة حول رحلتيهما الى الشمس؛ ما قد لاحظاه و سجلاه للأجيال القادمة، احدهما يفضل البرية على مرافقة الناس بينما الاخر رحب بكل شيء الى مدى رؤيته، وهذا كله يعتبر من افضل ما احتواه الادب الامريكي. على فراش موته، عندما سأل فيما لو كان يستطيع ان يشعر فعلا بوجود حياة اخرى، قيل بأن ثورو رد قائلا: "اتعامل مع كل عالم على حدا". بالنسبة لويتمان فأن الحياة الاخرى هي دائما هنا و الان تمتد من اصول الكون الى المستقبل البعيد. ولا حتى الموت يخيفه حيث يعتقد بأن هناك عوالم اخرى تنتظره. "اعرف مدى الدهر و طوله" كما كتب قائلا ولا يقيس الدهر بأداة لكن مثل رائد الفضاء الذي يتتبع جسما فضائيا لم يره احد سابقا: انه الشاعر الذي يرتدي حقيبته داخلا و خارجا.
—CM
يبدو ان ويتمان يسعده ان يشجعنا على قبول اجسادنا و الاحتفال بها ايضا. فالأجساد هي ما يجمعنا فعلا و هي بالتالي اساس تفكير ويتمان الديمقراطي. هل تعتقد لو اننا احببنا اجسادنا كما يريدنا ويتمان ان نفعل، سيكون هناك عنفا اقل في العالم ام ان حب الجسد هو اساس العنف؟