هناك العديد من الاشارات في دفتر ملاحظات ويتمان نستطيع ان نستدل منها على الدوافع الاصلية و الاساسية التي انتجت "اغنية نفسي". احد هذه المراجع المهمة هي ما يدعى بمذكرات تالبوت ويلسون الذي كتب فيه والت ويتمان نوع جديدا من اسلوب الكلام. من خلال البدء بأبيات الشعر الحر التي يستطيع ان يستخدمها من اجل اوراق العشب، فأن الشاعر يقدم محاولة جريئة من اجل التعبير عن مختلف انواع الذات البشرية في بلاده المليئة بالتناقض: "انا شاعر العبيد و اسياد العبيد"، ثم يكتب "انا شاعر الجسد\ و انا." يتوقف ويتمان عند هذه الجملة، ثم يبدأ من جديد: "انا شاعر الجسد\ و انا شاعر الروح\ اذهب مع العبيد في الارض ومع الاسياد ايضا\ وسوف اقف بين الاسياد و العبيد \ و ادخل في كلاهما حتى يفهماني جيدا". تكشف لنا هذه السطور الاولى من اوراق العشب بأنه في لحظاتها الاولى لم تكن القصائد تدعو الى انهاء العبودية، على الاقل لم تكن تدعو لذلك بالطريقة التقليدية حيث انه في الاعمال الادبية التي تدعو للقضاء على العبودية يشفق الكاتب على العبيد ضد السادة الذين يصورون على انهم وحوش. بدلا من ذلك يلجأ ويتمان الى التعبير عن كلا الجانبين و ينتج صوتا شاملا يتحدث عن العبيد و السيد—او يحاول تقريب المسافة بين الاثنين.
هذه كانت اول محاولة لويتمان لان يصبح الصوت الذي يمثل امريكا—الصوت الذي يعبر عن امريكا بالكامل—و يتحدث عن جميع اجزاءها و مكوناتها و افرادها، صوتا يكون انسيابيا بشكل يكفي ليشمل جميه الهويات الفردية المختلفة في ثقافته. في هذه الملاحظات الاولى، ويتمان يعمل على تعريف اقطاب الوجود الانساني—المتصل الانساني الذي يجب ان يغطيه في شعره—بالشكل الذي يظهر له وقتها في منتصف القرن التاسع عشر: من العبيد الى اسياد العبيد. مثل هذه الافكار الاولى تنسجم مع مفهومه للذات الديمقراطية التي يجب ان تكون واسعة جدا و تشمل جميع التناقضات و متنوعة مثل الامة التي تنتمي لها، و هكذا كان على الشاعر ان ينبه هذه الامة و يخرج الأمريكيين من دوامة التعصب و التمييز من اجل ان يفهموا انه في داخل انفسهم هم يحتوون الجميع—وفي الحقيقة كانوا في اصلهم الجميع. كان ويتمان يؤمن بأن العبودية سوف تنتهي عندما العبد و مالكه كلاهما يجدان نفس الصوت ليعبر عنهما، عندما كلاهما يكونان حاضرين في "الانا" و "الانت" التي ينطق بها الشاعر الديمقراطي، عندما يستطيع مالك العبيد يمكن ان يشعر بالعبد داخله و يستطيع العبد يشعر بوجود مالك العبيد داخله، في مثل لحظات التجلي هذه يمكن للعبودية ان تنتهي. عندما قدم ويتمان مثل هذا الصوت في كتاب للمرة الأولى في 1855، كانت الامة التي يغني لها على وشك ان تكتشف كيف ان قوة الانقسام و العنف يمكن ان تتغلب على الامل بالوحدة و تجاوز الاختلاف.
يعتبر هذا المقطع من المقاطع الجميلة و القوية في القصيدة، لكن ما هو مؤثر فعلا في هذا المقطع هو ان ويتمان الغى الجزء الاول منه الذي كتبه في ملاحظاته و يرسم شكلا حوله ليبقى من هذا المقطع "انا شاعر الجسد \ و انا شاعر الروح". فقد محى ويتمان تلك الصورة الشعرية التي تجمع العبد و مالكه بالرغم من انها تبدو مصدر العبارة الاساسية للقصيدة. تبدو كما لو كانت تستحوذ على سلطة التعبير عن الحالات المتطرفة في المجتمع الامريكي—العبد و مالك العبيد الاسود و الابيض—والتي فتحت امامه الطريق للتحدث عن الجسد و الروح بنفس الصوت. لقد تعلم ويتمان استيعاب جميع المتناقضات و المتضادات من خلال المواجهة و التحدث عوضا عن التضاد في المجتمع الامريكي: الاسود و الابيض. وعندها يقف تاريخ امريكا في التمييز العرقي كأساس لقصيدة "اغنية نفسي" و هذا يسمح له بإلغاء جميع الاختلافات—الجنة و النار و الذكر و الانثى—التي تقسم و تصنف البشر. و هذا المفهوم الروحي للذات التي هي اكبر من جميع محاولات التقسيم تحرر الشاعر الان من اجل ان يتوسع لدرجة انه يمكن ان يتخيل نفسه يمارس الحب مع العالم اجمع، مع الارض و البحر و الليل الذي يغطيهما. وحالما يتحرر الانسان من الخلافات القديمة ليس هناك من شيء اكبر من رغبات "الحب المتشهي" لهذا الشاعر الديمقراطي.
—EF
شاعر الجسد الذي تغنى في المقطع السابق بالضخم المتلهف العاري، يعدنا الان بأن "يترجم الى لغة جديدة" ليس فقط متعة و الام الحياة الاخرى لكن ايضا خبرة و حكمة النساء و الرجال. فكرة المقطع الاساسية هي الاتحاد--اتحاد الاحبة و اتحاد الارض و البحر و اتحاد الضوء و الظلام--وفي المجال المغناطيسي لهذه القصيدة، كل شيء ينجذب اليها. الليل يقترب ليغذي الخيال و تستيقظ الارض النائمة لتوضح للشاعر فكرة اننا في سباق ليس ضد الوقت لكن في سباق نحو ادراك حقيقة اننا نعيش في حضور خالد يدعو فيه احدنا الاخر. ليس هناك من فائز و خاسر في تجمع الفعاليات هذا، في مثل اتحاد المتضادات هذا، فقط الزيادة و العاطفة. سوف يصل الجميع الى خط النهاية، الذي هو ايضا خط البداية كل في وقته المحدد--وهو الان.
وهنا يدخل الابن الضال. في صورة معكوسة قصص الانجيل، يضع حبه في الشاعر الذي يشبه الاله، و الذي يستجيب عندها؛ يذكرنا "الحب المتشهي الذي لا يمكن البوح به" بأنه في صورة ويتمان عن الكون لا يوجد شيء محرم--حتى لو انه في الطبعات اللاحقة للقصيدة قام ويتمان بحذف البيتين الاخيرين اللذان يختتمان النسخة الاصلية للقصيدة: "صاروخا يمسك بي بقوة و انا امسكه بقوة!\ نحن نؤلم بعضنا كما يؤلم العريس و العروس احدهما الاخر". هذه المعرفة المؤلمة هي من المتطلبات الاساسية للشاعر الذي يريد ان يكون اداة الاتصال التي تحمل اصوات الماضي و الحاضر و المستقبل و التي سوف يستدعيها على مسرح خياله الديمقراطي—الذي سرعان ما سوف تصبح اصواتنا. و علينا ان نستمع لها.
—CM
ما هو قصد ويتمان عندما يقول "ان الحجم مجرد نمو"؟ في هذا المقطع يريد الشاعر ان يتمدد و يتوسع حتى يصبح كبيرا بما يكفي ليتخذ الارض بأكملها حبيبة له. كيف عليه ان يتطور لكي تكون نفسه بهذا التوسع؟ هل يساعد اذا عرفنا ان كلمة "تطور" او "نمو" قد نتجت عن "الكشف" و "اخراج الغطاء"؟