Section-23, Song of Myself

Foreword: 

و يستمر ويتمان بتأمل كيف ان الوقت يمضي قدما في الكشف عن اللحظة الحاضرة التي تتجدد باستمرار، وايضا يفكر كيف ان اللغة ايضا تنكشف معانيها مع الزمن، من الاصوات الاولى للإنسان وصولا باللغات الاوربية الهندية و حتى سلسلة التحولات في الاصوات العلة و الصحيحة التي لا تنتهي و اندماج المقاطع اللغوية و الاستعارات التي تصبح اللغات المتغيرة على الدوام التي نتحدث بها الان. ويتمان يدرك انه عندما يتحدث الامريكية الانكليزية في منتصف القرن التاسع عشر فأنه في الحقيقة يتحدث مجموعة من اللغات. و اليوم نحن معتادون لفكرة اصول اللغة—تاريخ كل كلمة نتحدث بها و الذي يمكن الحصول عليها بسهولة في القواميس—و كيف ان كلماتنا يتردد صداها في الجذور الاغريقية و اللاتينية و الانكليزية القديمة و السنسكريتية، بينما بالنسبة لويتمان، يعتبر اصل اللغة احد العلوم الحديثة الذي يغير نظرة العالم نحو الماضي و احد اول القواميس التي تعطي تأصيل الكلمات قد نشرت خلال حياته. و هكذا فهو يضمن صانع المعاجم—مجمع القواميس—كأحد العلماء الذين يحتفل بهم لجلبهم حقائق مفيدة للشاعر يمكن له ان يترجمها من كونها حقيقة جافة الى رؤية شعرية نحو المستقبل. و ايضا يضمن عالم اللغة الذي "يقعد النحو من الظروف القديمة" –تلك الكتابات الهيروغليفية على النصب المصرية القديمة و التي تعطينا المفتاح لفتح رموز اللغة المصرية القديمة و تعطي للإنسان في القرن التاسع عشر القدرة على الدخول الى حضارات تاهت في غبار الزمن. ينضم علماء اللغة الى الكيميائيين و الجيولوجيين و الرياضيين و جميع العلماء الاخرين الذين اعمالهم تفتح لنا الزمن امامنا و تحول الكون الذي مركزه الارض و الذي خلقه الله قبل بضعة الاف من السنين الى كينونة ضخمة جدا من ملايين المجرات وجدت من خلال انفجار عظيم حصل قبل ملايين من السنوات. و فجأة يكون العلم قد خلق الزمان و المكان الكافيين لصنع المعجزات—تشكيل النجوم و الانظمة الشمسية و الارض بحد ذاتها و تطور الحياة البطيء الى عدد لا ينتهي من الاشكال و الذي نتج عنه في النهاية الانسان و هذا الشاعر ليكتب لنا هذا الكلمات و التي نقرأها نحن (الذين هم نتيجة مساوية لذلك الانفجار الحاصل قبل خمسة عشر مليار عام). و هكذا فأن الشاعر سوف "يتقبل الواقع و لا يجرؤ على مساءلته" و سوف "يتقبل الزمن مطلقا" لأنه يعرف ان الزمن والواقع يخضعان "للمادية" التي تعرف في القاموس الذي يستخدمه ويتمان على انها فلسفة تؤمن بأن الروح البشرية هي ليست "مادة روحية منفصلة عن الجسم لكنها نتيجة او تأثير تنظيم المادة في الجسم". الواقع هو الطريقة التي تتنظم فيها ذرات الكون و يعاد تنظيمها خلال الزمن و الزمن "يكمل الكل"، كما يقول ويتمان لأنه يحتوي الكل و يقبل الكل ولا يرفض شيء. ومع النظر الى كون المكان و الزمان لا ينتهيان فأن كل شيء يصبح ممكنا و الممكن يصبح حقيقة و كل شيء يحصل و لا يمكن استبعاد شيء. الاسياد يصبحون عبيدا و العبيد يصبحون اسيادا و يصبح الملك حاشية و الحاشية تصبح ملوكا. كلمات ويتمان اذا لا تذكر الناس بممتلكاتهم التي يملكونها اليوم، فالزمن سوف يغير كل ذلك. كلماته مخصصة لان تكون "مذكرة...بحياة لم تعرف و الحرية و الخلاص"، لأنه كل شيء كان محبوسا سوف يتحرر مع مرور الوقت و تغير المكان. كلماته مهداة ليس الى ما يبدو انه جامدا في زمانه، بل الى ما يبدو انه ذائبا في الواقع المتغير على الدوام. فهو يعشق التواريخ التي لم تكتب لتلك الديمقراطية القادمة وليس للتاريخ الذي حصل مسبقا. لا يخصص شعره عن أولئك الذي بدون هوية و الذي لا يستطيعون توليد حياة جديدة لكن مخصص للرجال و النساء "الاكفاء" الذين ينتجون اجيال جديدة (و افكار جديدة) الذين يظلون "يكيدون ويتامرون " من اجل تغيير ما يبدو في لحظتها دائم و لا يتغير. ويتمان يعرف افضل من ذلك: صوت الثورة هو صوت الزمن يبقي الواقع متغير باستمرار و لا يمكن التكهن به. هذه هي الرؤية الجديدة التي جلبتها العلوم الجديدة و ينطلق هو لترجمة تلك الرؤيا الجديدة لتصبح "كلمات العصر الحديث" و هذه الكلمة هي "الجماعية": المعرفة و الايمان بأن الروح الحية للكون تعمل من خلال الكتلة ومن خلال الاجساد ومن خلال المواد التي تتغير باستمرار (كل ذرة تنتمي لي كما هي تنتمي لكم). ناقوس الثورة يظل يدق خلال الزمن يستدعي الاجساد لترتفع جماعيا من اجل الاستمرار بتغيير الاشكال الظالمة في الوقت الحاضر.

—EF

كلمات العصور السالفة تظل تتفتح الى الأبد
أما كلمتي فكلمة عن الجديد ، الكلمة - الجماهير
كلمة الايمان الذي لايتردد
الآن ، أو الأبد ، هما الشيء نفسه عندي
انني أتقبّل الزمن مطلقاً .
إنه وحده الذي لاينصدع
إنه وحده يحيط بالكل ، ويكمل الكل
ذلك الاندهاش الغامض المحير الذي يكمل وحده الكل .
إني أتقبّل الواقع ، ولاأجرؤ على مساء لته
المادية أولاً
والفكرة أخيراً .
ليعش العلم الوضعي !
لتعش التجربة الدقيقة !
ضع الودْنة مع شراب التفاح وأفنن الليلك
هاهو ذا مؤلف المعاجم
ها هو ذا الكيمياوي
ها هو ذا الذي يقعّد النحو من الظروف القديمة
أولاء هم البحارة الذين ينزلون السفينة في بحار خطرة مجهولة
هاهو ذا الجيولوجي .
وها هو ذا الرياضي .
أيها السادة ، لكم التشريف الأول دائماً !
إن حقائقكم نافعة ، لكنها ليست مسكني
فأنا أدخل بها في منطقة مسكني .
الذين يذكّرونني بالممتلكات ، لايخبرون كلماتي إلا قليلاً
أما الذين يذكّرونني بحياةٍ لم تُعرف ، والحرية ، والخلاص -
فهم يخبرون كلماتي بالكثير
ولايتحدّثون طويلاً عن الخنثى والخصيّ
ويفضّلون الرجال والنساء الأكفّاء
ويدقون صنج الثورة النحاسي
ويقفون مع المشردين
ومع أولئك الذين يكيدون ويتآمرون
 
أيتها الكلمات اللانهائية المتعاقبة عبر العصور!
كلمتي أنا هي كلمةُ الحداثيّ، كلمةُ الجموع.
كلمةُ إيمانٍ لا تهادنُ أبداً،
هنا أو لاحقاً، هي نفسها بالنسبة لي،
وأنا أقبلُ الوقتَ قبولاً مطلقاً.
إنها وحدها دون نقيصة، ووحدها تدوّرُ وتكملُ الكلّ.
تلك المعجزة المحيّرة الغامضة وحدها تكملُ الكلّ.
أقبلُ الواقعَ، ولا أجرؤ على الشكّ به،
الماديّةُ أولاً وأخيراً، مبثوثة فيه.
طوبى للعلم الوضعي! وليحيا الشّرح الدقيق!
أحضر زهرَ السّيدوم، ممزوجاً بخشب الأرز، وأغصان الليلك،
هو ذا مؤلف المعاجم، هو ذا الكيميائي،
هو ذا من ابتكرَ النحوَ معتمداً على النقوش القديمة،
هؤلاء هم البحارة
الذين وضعوا السفينة في بحار مجهولة خطرة،
هذا هو عالم الجيولوجيا،
وذاك هو الجرّاحٌ الذي يستخدمُ المبضعَ،
وهذا هو عالم الرياضيات.
لكم أنتم أيها السادة أوسمة الشرف دائماً!
حقائقكم مفيدة، لكنها لا تصلح أن تكون سُكناي،
أنا أدخلُ، من خلالها، إلى سكنى يخصّني.
لا تُخبرُ كلماتي، إلاّ قليلاً، عمن يتذكّرون الأملاكَ،
وكثيراً ما تروي عمن يتذكّرون الحياةَ التي لم تُروى،
الساعين للحرية والانعتاق،
تقدّم وصفاً مبتسراً للمخنّثين والمخصيين،
وتحكي عن النساء والرجال الأكفاء جداً،
تدقّ أجراس التمرّد، وتتوقفُ مع المنبوذين،
ومع أولئك الذي يحيكون المؤامرات والدسائس.
Afterword: 

اين هو مسكن ويتمان—في اللغة؟ في حقائق العلوم الجديدة التي تعيد تعريف علاقاتنا ليس مع الواقع و لكن مع الزمن؟ في القصص و التأملات، الاشكال الفردية و الجماعية للحزن و الحب التي تحكم الحياة الغير معروفة بعد؟ للغات حياة خاصة بها—"كلمات العصور السالفة تظل تتفتح الى الابد"—والتي يخبرنا بها الشاعر الذي ايقاعاته و كلماته و صوره الشعرية من اجل "الايمان الذي لا يتردد ابدا" ن مطلق الزمان و الواقع، جميعها تشير الى "الاندهاش الغامض المحير" في قلب الوجود. يمتدح ويتمان روح التجريبية، وضع و اختبار النظريات؛ و يرحب باكتشافات جامعي المعاجم و الكيمائيين و الجيولوجيين و علماء الرياضيات؛ و يوحد نفسه مع البحارة التي تبحر الى المياه الخطرة. لكن قلبه مع المشردين—العبيد و الهاربين و المتآمرين و المتمردين و الرجال و النساء الاكفاء العازمين على ضمان حرياتهم رغم كل شيء. و على عتبة منطقة سكناه "تدق الثورة" و التي يمكن ان تكون كلمة واحدة تقال او يغنى بها في الوقت المناسب و بالصوت المناسب. الخراطيش مثلا يعرفها روبرت هاس و بول ايبنكامب في نسختهم المفسرة "لأغنية نفسي" على انها "الحلقات البيضوية في الكتابات الهيروغليفية من اجل تمييز حرف الاسماء الملكية و الالهية". و يشيرون الى ان دراسة الخراطيش "ادت الى فك رموز اللغة الهيروغليفية ...والتي كانت تعتبر احد الانجازات الفكرية للعصر"؛ في هذا المقطع من "اغنية نفسي" وهي احد الانجازات الشعرية لهذا العصر، فأن ويتمان يسمح بخلق نظاما شعريا بإشارات ديمقراطية ونظاما جديدا للهيروغليفية و التي كل جيل من القراء في امريكا و في الخارج سوف يفكون رموزها حسب ثقافتهم. كلماته التي تتحدث عن "الحرية و الخلاص" يجب ان يتم اعادة تفسيرها مجددا و تطلقها الالسن الواحد تلو الاخر.

—EF

Question: 

عادة نفكر في مدرسة الحداثة على انها المعركة الطويلة بين "ثقافتين" كمات سماها سي بي سنو في خمسينات القرن الماضي—العلوم و الانسانيات، كل منها بطرق مختلفة و مصطلحات مختلفة تعيق أي تواصل حقيقي بينهما. قبل مئة عام، يبدو ان ويتمان يوضح الطريقة التي يمكن ان تندمج بها الثقافتين: الباحث الانساني سوف يأخذ اكتشافات العالم الجديدة و يحولهم الى رسالة انسانية ذات معنى. و هكذا يصرخ ويتمان "ليعش العلم و الوضعي!" هل هناك شعراء في ثقافتك اتبعوا نفس المنهج؟ ام انهم تراجعوا عن العلوم و اكتشافاته الحديثة؟ من هؤلاء الشعراء الذين استوعبوا الاكتشافات العلمية و صنعوا الشعر منها؟ وكم كانوا ناجحين فيه؟