في هذا المقطع تستمر قصة الحرب لكن هذه المرة تحكي قصة الحرب الثورية في المعركة البحرية على الساحل البريطاني بين سفينة بونهوم ريتشارد لجون بول جونز و السفينة البريطانية سيرابيز. كان جد ويتمان الاعظم يخدم تحت امرة جونز و ويتمان تذكر قصة المعركة التي حكاها جده لجدته من امه (وايضا اعتمد على رواية جونز عن المعركة في رسالة الى بنجامين فرانكلين حيث كان ويتمان يحتفظ بنسخة مطبوعة عنها). و مثل معركة كوليتو و المذبحة في غولياد التي ذكرت في المقطع السابق، فأن قتال البحر هذا هو مجرد جزء من سلسلة حروب امتدت و وحدت الولايات المتحدة لكن من المثير للسخرية انها فعلت ذلك على حساب الوحدة ذاتها، حيث كانت النتيجة دائما الموت و الانقسام و التشتت و الخسارة. القصة هنا هي عن القبطان جونز الذي كان لديه الشجاعة للبقاء حي و الاستمرار عندما كان الاستسلام هو الخيار الوحيد، لكنها ايضا قصة الموت المنتشر: و ان كلا الجانب البريطاني و الامريكي خسرا نصف طاقميهما في هذه المعركة. يمتد هذا المقطع بالطريقة التي يستوعب فيها الخبرة في قصيدته. و الان هو لا يستوعب الخبرات التي يعيشها مباشرة وما تجلبها له حواسه لكنه ايضا يستوعب القصص التي سمعها، ووضح كيف يستوعب هذه القصص و يجعلها جزءا من روحه كما لو كانت تلك الخبرات الحسية التي استعرضها في المقاطع السابقة. في النهاية، القصص هي خبرات حسية ايضا فهي تدخل لعقولنا من خلال اذاننا و عيوننا و مثل غروب الشمس المؤثر فأنها يمكن ان تغيرنا للابد. و هكذا في هذا المقطع يحكي لنا ويتمان القصة كما لو ان جده الاعظم هو الذي يرويها مباشرة لنا. يمكن للأشياء التي حصلت قبل ولادتنا ان تؤثر فينا من خلال القصص السحرية، تماما مثل قصص خلق الكون و التطور البطيء لأشكال الحياة التي تدرجت حتى وصلت الينا هي جز مهم منا حتى لو لم نكن هناك للإحساس بتلك التطورات في حواسنا. نحن ننسج اغنية انفسنا من العديد من الاشياء الغريبة و الرائعة و المرعبة ايضا.
—EF
الصراع يولد القصص كما يعرف كل المقاتلين و مراسلي الحروب. فلقد كان الانقسام و الدمار هما الوسائل الرئيسية لإعادة رسم الحدود و اعادة تعريف هوية المجتمعات في كل التاريخ المسجل؛ قصص المعارك المنتصرة و الخاسرة و الشجاعة و الجبن و الالم و الدهشة—كل هذه تشكل النظام الجديد. ليس من الصدفة ان هوميروس وضع اساس الادب الغربي في ملامحه الحربية (الالياذة) و رحلات المحاربين (الاوديسة)؛ حيث ان الحرب تمتحن معنويات الافراد و الامم على حد سواء و تضع اساس مستقبلهم؛ فالقصص تحكى مرات ومرات، قصص الافراد و الشعوب، و توجه طبيعة عادات البلاد و مؤسساته السياسية. ان الحرب تشكل الكثير من موروثنا الثقافي. اهمية الحرب في ملحمة ويتمان تتبلور اكثر في المقاطع 34-36 في قصة المذبحة و قصة جده عن المعركة البحرية التي خاضوها فير الحرب الثورية و جرده للخسائر الحربية في كل معركة. اذا كان هوميروس يغني بنفسه في الالياذة عن غضب الانسان و يضع استعراضات السفن و معارك الاغريق و مقاتليهم، فأن ويتمان يوسع اغنيته عن الذات الديمقراطية لتتضمن الحرب—"استمرار السياسة بطريقة اخرى"—حسب ما يقوله كلاويتز . لاحظ اللهجة السوداوية لهذه الحكايات التي تمهد لقصص الحرب الاهلية. و بالفعل في ذكرياته عن الانتصارات و المآسي الماضية يبدو انه لا يزال يرى تلك المأساة التي شكلت الحياة الامريكية. و لاحظ ايضا بان بطولة القبطان تصلنا في مشاهد سفك الدماء. ما من احد يهرب من نقمة الحرب. ان الجزء الاصعب في الكتابة ربما يكون الاستمرار على قيد الحياة لحكاية القصة. مرة كنت في لبنان و كنت اوضح لاحد الصحفيين وجودي على سطح البناية لمراقبة الصراع في مخيم لاجئين (ذهبت لأتمشى نحو البحر و الجنود في نقطة التفتيش اطلقوا النار قرب رأسي و استجوبني احد الضباط) عندما اشارت الي الصحفية بيدها. فقالت لي اني احسدك. فالان انت تملك قصة تستطيع ان ترويها. وهنا يمكن ان يضيف ويتمان: ونحن جميعا كذلك.
—CM
فكر في قصة اخبرك بها شخص اكبر منك بكثير، قصة شيء حصل قبل ولادتك بزمن طويل لكنه اثرت بك كما تؤثر بك الاحداث التي تحصل اليك مباشرة. كيف تتغير هذه القصة و انت تعيد رواياتها الى الاخرين؟ كم من القصة لا يزال سجلا فعليا عن الاحداث التي حصلت في الماضي و كم من القصة اضفته انت من الخبرات الحالية.