Section-52, Song of Myself

Foreword: 

والان و نحن نقف عند نهاية القصيدة، نسال كيف يمكن للشاعر ان يفصل نفسه عن القصيدة التي قد بقينا نعيشها لعد ساعات و ايام و اشهر وربما لعد سنوات؟ كيف يقول ويتمان وداعا؟ كما نتوقع، يقوم بالاختفاء بأكثر طريقة مميزة في الادب: فهو، أمام اعيننا، "بالرحيل كالهواء" ومن ثم يندفع "الى الابخرة و الغسق" و من ثم يريق لحمه في "جداول" و بعدها يختفي في الطبيعة حيث لن نجده في أي مكان و لكنه في كل مكان موجود ينمو من العشب الذي يحبه و يمتزج بالتراب القابع تحت احذيتنا. كل ذرة تنتمي له الان اصبحت تنتمي لنا و للعالم الحي من حولنا. جزئيا هو الان نسرا ينظر الى العالم من فوق هو جزء من الغيوم السائرة و جزء من الظلال و جزء من اجسادنا، يغازلها و يعطيها "نقاء الدم و نسيجه". (قبل كل شيء من اين تأتي اجسادنا؟ و هنا يذكرنا الشاعر مرة اخرى بأنها تنظيم من المواد دائم التغير من اقصى اطراف الارض و من اطراف الكون). و الان نقرأ استعراضا اخيرا لويتمان حيث ان ضمير المتكلم "الانا" يتوجه الى يسار الصفحة و في كل مرة يتحول الى احد المواد "غير القابلة للترجمة" في العالم—الهواء و الشمس و الجداول و الجبال و التراب و العشب و في النهاية يصبح "الانت" ضمير المخاطب الذي تنتهي به القصيدة.

وكما هي صرخة النسر الغير قابلة للترجمة، فأن الصرخة البربرية التي يصدره ويتمان تتركنا مع صداها في الجو مع الضوء الغسق ومع العشب تحت اقدامنا. و يبدو ان الشاعر يتحدى المترجمين في المستقبل، مثل الجميع الذين عملوا هنا في هذا المشروع، و الذين يكتشفون بسرعة ان ينقلوا الى لغة اخرى مجوعة الصور الشعرية و الكلمات لكبيرة و المتشابكة التي تحتويها "قصيدة نفسي". لكن عندما يقول ويتمان "انا ايضا غير قابل للترجمة" فأنه يفكر كيف ان "الانا"، أي الذات، هي في النهاية لا يمكن ترجمتها من مادة الى اخرى (كلمة "ترجمة" في اصلها تعني تحملها من حالة الى اخرى). و مع انحلال الجسد، فان الذات تتلاشى معه مع جميع ذكرياتها و افكارها و هي تراق و ترحل مثل مواد الجسد الذي اعطى للذات هويتها: جميع حواسنا، النظر السمع و اللمس، تتبخر عائدة الى الاشياء التي ولدت السمع و البصر و الصوت و اللمس—تراق و تنصب الى العالم الذي انبثقت منه اصلا، منطلقة من العيون و الاذان و الدماغ و اطراف الاصابع، من شبكة الاعصاب الحسية (التي يدعوها ويتمان كهرباء الجسد) و التي تعطينا ما نعتبره "هويتنا".

في تلك الاثناء، يكتشف ويتمان—بينما هو على قيد الحياة و لا يزال يملك جسده—فأنه يستطيع تحويل نفسه الى نتوءات الطباعة (في قصيدة اخرى، ويتمان يدعو الكلمات المطبوعة "الاسطر البارزة الى الاعلى" و ايضا "المنحنيات و الزوايا و النقاط")التي يتركها خلف هذه القصيدة، مع كل انبعاجات احرفها التي تشكل الكلمات و الافكار و الصور الشعرية. و عندها اصبحت قصيدته تجسيدا من نوع اخر، جسدا للأعمال الشعرية التي تركها لنا ويتمان، و التي صب نفسه فيها، والتي تتوقف الان دائما منتظرة ان نقرأها. بدوننا هذه القصائد ما هي الا نتوءات و نقاط و منحنيات صامتة و لكن معنا (البشر الذين يملكون اجسادا الان) تصبح هذه الشكال الحبرية ذات صوت حية من جديد. وكما ان جسد ويتمان قد اعيد تشكيله الى اجساد اخرى—من النباتات و الاشخاص و الحيوانات و الهواء و التربة—فأن كلماته يعاد تشكليها من قبل عدد كبير من القراء لتصبح لها معنى من جديد. ان جسد الشاعر المضمحل يكبر من جديد في اوراق العشب و كلماته التي يتركها خلفه تنمو لتصبح "اوراق العشب" ذلك الدويان الشعري المعروف. "الانا" التي يتحدث بها قد تغيرت الى "الانت" من اجل ان نشكلها نحن كما نريد.

—EF

 

 

الصقر الأرقط يمر بي ، ويتّهمني
شاكياً ثرثرتي وتسكّعي .
أنا أيضاً ، لست مروّضاً ، ولو قليلاً
أنا أيضاً غير قابل للترجمة
أطلقُ صرختي البربرية على سقوف العالم .
ضوء النهار الأخير يتريّث لي
معلناً شَبَهي ، بكل ما في غابات الظلال
ويدفعني الى الأبخرة والغسق .
أرحل كالهواء
وأهز خصلاتي للشمس الهاربة
أهرق لحمي مياهاً ، في جداول مسكرة .
أوحّد نفسي بالتراب ، لأنجُمَ من العشب الذي أحبُّ
فإن أردتني ثانيةً
فابحث عنّي تحت نعل حذائك .
قد لاتعرف من أكون ، وما أعني
لكنّي سأكون لك العافية
ونقاء الدم ونسيجه .
إن لم تجدني ، أولاً ، فلا تيأس
إن افتقدتني في مكان ، فابحث عن مكان آخر
ولتجدنَني انتظرك في مكان ما .
 
النسرُ المرقّط ينقضّ ويتّهمني،
شاكياً هذَري وتسكّعي.
أنا أيضاً لا أُرَوّضُ البتّة، وغيرُ قابلٍ للترجمة،
أرفعُ صرختي البربرية فوق سقوف العالم.
شهابُ آخرِ النهار ينتظر من أجلي،
يتلقّف صورتي ككل الأشياء الأخرى،
ويعكسها فوق البراري المشتولة بالظلال،
يغويني ويستدرجني إلى الغَسق والضباب.
أرحلُ كالهواء، أهزّ خصلاتي البيضاء
فوق الشمس الهاربة،
أسكبُ جسدي في دوامة المدّ والجزر،
أذروهُ على شكل موجاتٍ ملوّنة.
أورّثُ نفسي للتراب،
لكي أنموَ من العشب الذي أحبّ،
وإن أردتني ثانيةً، ابحث عني تحت نعل حذائك.
قد لا تعرفُ من أنا أو تدركُ ما أقصد،
لكنني سأكون عافيةً لكَ، مع ذلك،
أنقّي وأقوّي دمَكَ.
إن فشلتَ بإحضاري في المرة الأولى، لا تجزع،
وإن ضيّعتني في مكانٍ، ابحث عني في آخر،
سأكونُ متوقفاً، في بقعةٍ ما، أنتظرُ قدومكَ.
Afterword: 

ومرت ازمة اخرى و فتح من جديد نصب ايفيجي ماوندز الوطني في شمال شرق ايوا. المرشد يقرأ علينا تاريخ الأمريكيين الاصليين الذين عاشوا شمال نهر المسيسيبي: كيف كانوا يصطادون و يجمعون النباتات و الجوز و يشكلون الادوات ويغنون و يرقصون. في الغابات و في التلال هناك المئات من الروابي بعضها على اشكال طيور و دببه و اخرى ترتفع من الارض على شكل قباب و خطوط مستقيمة او مجموعة من الاثنين—سجلا حيا لعشرة الاف سنة سكنها البشر على هذه الارض. بنى الهنود الحمر هذه المرتفعات لدفن مواتهم و ارضاء أرواحهم و المحافظة على التناسق بين الارض و النهر و السماء. وبشكل غير واضح، توقفوا عن بناء الروابي في القرن الرابع عشر. ربما انتقلت قبائل جديدة للأرض ومعها افكار مختلفة حول كيفية الاحتفاء بحياة أولئك الذين قضوا نحبهم و تجنب المأساة و المحافظة على السلام. ربما، لكن لا يمكن التأكيد.

امشي على هذه الارض المقدسة ومعي شعراء و كتاب من كل العالم، وهم يناقشون روح المكان وتاريخ الهجرة البشرية و الحرب الاهلية في سوريا و القصص القصيرة لأليس مونرو و الرواية الاولى التي قبلت لتوها للنشر و تفاقم السحب في الغرب، و الزورق البخاري على النهر. في مخيلتي تدور خريطة تتبع طرق هجرة الرجال و النساء تاركين منازلهم في افريقيا يستقرا في أوربا و اسيا و استراليا و الأميركتين حاملين معهم قصصهم و اغانيهم و طقوسهم الى اماكن بعيدة في الارض ليجمعونا سوية في شبكة من العلاقات الفنية و الثقافية و الاجتماعية بالإضافة الى اعادة تشكيل هيئتنا الجسدية. هذه الارواح المهاجرة هي جزء مني و تحملها جيناتي؛ التضرع و التوسل الى الرب و الحبيب؛ الاشجار و النهر والسماء التي تخبرني عن مشي في الشمس. تسقط قدمي في حفرة مغطاة بالشجر قرب احد مرتفعات الدفن و يخطر ببالي بأنه ربما اعوجت ركبتي هنا قبل هذا بفترة طويلة. ربما كانت نتائج هذه الحادثة اليمة. هل تركني اصدقائي خلفهم ليبدئوا بالصيد؟ هل دفنوني بمثقاب مصنوع من عظم الطيور؟

هذه التأملات و هذه الارتجاليات حول اصول الشعر الامريكي لها هدف واحد: ان تقربك اكثر مني، ليس في "عناق الفناء المرير" لكن واضعا بعين الاعتبار ما قاله ويتمان عن الموت، في انه يوحدنا كما نتوحد نحن في هذه الصفحة حتى لو كان هذا لوقت قصير. لم تنتهي هذه الرحلة. فأنا ايضا "سوف اتوقف في مكان ما في انتظارك".

—CM

 

Question: 

تقريبا في جميع نسخ الطبعة الاولى "لقصيدة نفسي" (1855)، النقطة التي تنهي القصيدة غير موجودة، فقط في النسخ القليلة الاولى التي طبعت تحتوي على النقطة و بعدها تأتي النسخ الجديدة و التي لا تحتوي على هذه النقطة. لأكثر من قرن و نصف اعتقد القراء بأن غياب النقطة كان امرا متعمدا من قبل الشاعر. اذا قرأنا القصيدة بدون هذه النقطة في النهاية، كيف ستكون استجابتنا لكلمات ويتمان الاخيرة؟